كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وحَنَذْت الفرس أحنِذه حَنْذًا، وهو أن تحُضِره شوطا أو شوطين ثم تُظاهِر عليه الجِلال في الشمس ليعرَق، فهو محنوذ وحنِيذ؛ فإن لم يعرق قيل: كَبَا.
وحَنَذٌ موضع قريب من المدينة.
وقيل: الحنِيذ السَّمِيط.
ابن عباس وغيره: حنيذ نضِيج.
وحنِيذٍ بمعنى محنوذ؛ وإنما جاء بعجل لأن البقر كانت أكثر أمواله.
الثانية:
في هذه الآية من أدب الضّيف أن يُعجّل قِراه، فيقدّم الموجود الميسّر في الحال، ثم يتبعه بغيره إن كان له جِدَة، ولا يتكلف ما يضرّ به.
والضيافة من مكارم الأخلاق، ومن آداب الإسلام، ومن خلق النبيين والصالحين.
وإبراهيم أوّل من أضاف على ما تقدّم في البقرة وليست بواجبة عند عامة أهل العلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الضّيافة ثلاثة أيامٍ وجائِزته يوم وليلة فما كان وراء ذلك فهو صدقة». والجائزة العطية والصلة التي أصلها على النّدب.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه». وإكرام الجار ليس بواجب إجماعًا، فالضيافة مثله. والله أعلم.
وذهب الليث إلى وجوبها تمسكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: «ليلة الضّيف حقّ» إلى غير ذلك من الأحاديث.
وفيما أشرنا إليه كفاية، والله الموفق للهداية. قال ابن العربيّ: وقد قال قوم: إن وجوب الضِّيافة كان في صدر الإسلام ثم نسخ، وهذا ضعيف؛ فإن الوجوب لم يثبت، والناسخ لم يرِد؛ وذكر حديث أبي سعيد الخدريّ خرجه الأئمة، وفيه: «فاستضفناهم فأبوا أن يُضيِّفونا فلُدِغ سيّد ذلك الحيّ» الحديثَ.
وقال: هذا ظاهر في أن الضيافة لو كانت حقًا لَلامَ النبيّ صلى الله عليه وسلم القوم الذين أَبَوا، ولَبيّن لهم ذلك.
الثالثة:
اختلف العلماء فيمن يخاطب بها؛ فذهب الشافعي ومحمد بن عبد الحكم إلى أن المخاطب بها أهل الحضر والبادية.
وقال مالك: ليس على أهل الحضر ضيافة. قال سُحْنون: إنما الضّيافة على أهل القُرى، وأما الحضر فالفُنْدق ينزل فيه المسافر (حكى اللغتين صاحب العين وغيره).
واحتجوا بحديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الضّيافة على أهل الوَبَر وليست على أهل المَدَر». وهذا حديث لا يصح، وإبراهيم ابن أخي عبد الرزاق متروك الحديث منسوب إلى الكذب، وهذا مما انفرد به، ونسب إلى وضعه؛ قاله أبو عمر بن عبد البر.
قال ابن العربيّ: الضيافة حقيقة فرض على الكفاية، ومن الناس من قال: إنها واجبة في القرى حيث لا طعام ولا مأوى، بخلاف الحواضر فإنها مشحونة بالمأْوَاة والأقوات؛ ولا شك أن الضّيف كريم، والضيافة كرامة؛ فإن كان غريبًا فهي فريضة.
الرابعة:
قال ابن العربيّ قال بعض علمائنا: كانت ضيافة إبراهيم قليلة فشكرها الحبيب من الحبيب، وهذا حكم بالظن في موضع القطع، وبالقياس في موضع النقل؛ من أين علِم أنه قليل؟ا بل قد نقل المفسرون أن الملائكة كانوا ثلاثة؛ جبريل وميكائيل وإسرافيل صلى الله عليهم وسلم؛ وعجل لثلاثة عظيم؛ فما هذا التفسير لكتاب الله بالرأي؟ا هذا بأمانةِ الله هو التفسير المذموم فاجتنبوه فقد علمتموه.
الخامسة:
السنة إذا قُدِّم للضّيف الطعام أن يبادر المقدِّم إليه بالأكل؛ فإن كرامة الضّيف تعجيل التقديم، وكرامة صاحب المنزل المبادرة بالقبول؛ فلما قبضوا أيديهم نكرهم إبراهيم؛ لأنهم خرجوا عن العادة، وخالفوا السنة، وخاف أن يكون وراءهم مكروه يقصدونه.
وروي أنهم كانوا يَنكُتون بِقداح كانت في أيديهم في اللحم ولا تصل أيديهم إلى اللحم، فلما رأى ذلك منهم.
{نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} أي أضمر.
وقيل: أحس؛ والوجوس الدخول؛ قال الشاعر:
جاء البريدُ بقرطاسٍ يَخُبُّ بهِ ** فأوجسَ القلبُ من قرطاسه جَزعَا

{خِيفَةً} خوفًا؛ أي فزعًا.
وكانوا إذا رأوا الضيف لا يأكل ظنوا به شرًا؛ فقالت الملائكة: {لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إلى قَوْمِ لُوطٍ}.
السادسة:
من أدب الطعام أن لصاحب الضّيف أن ينظر في ضيفه هل يأكل أم لا؟ وذلك ينبغي أن يكون بتلفت ومسارقة لا بتحديد النظر.
روي أن أعرابيًا أكل مع سليمان بن عبد الملك، فرأى سليمان في لقمة الأعرابيّ شعرة فقال له: أزل الشعرة عن لقمتك؛ فقال له: أتنظر إليّ نظر من يرى الشّعرة في لقمتي! والله لا أكلت معك.
قلت: وقد ذُكر أن هذه الحكاية إنما كانت مع هشام بن عبد الملك لا مع سليمان، وأن الأعرابي خرج من عنده وهو يقول:
ولَلموتُ خيرٌ من (زيارة) باخل ** يُلاحظُ أطرافَ الأَكِيلِ على عَمْدِ

السابعة:
قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ} يقول: أنكرهم، تقول: نَكِرتك (وأنكرتك) واستنكرتك إذا وجدته على غير ما عهدته؛ قال الشاعر:
وأَنكرتنِي وما كان الذي نَكِرتْ ** من الحوادِث إلا الشّيبَ والصَّلَعَا

فجمع بين اللغتين. ويقال: نكِرت لما تراه بعينك. وأنكرت لما تراه بقلبك.
الثامنة:
قوله تعالى: {وامرأته قَائِمَةٌ} ابتداء وخبر، أي قائمة بحيث ترى الملائكة.
قيل: كانت من وراء الستر.
وقيل: كانت تخدم الملائكة وهو جالس.
وقال محمد بن إسحق: قائمة تصلي.
وفي قراءة عبد الله بن مسعود {وامرأته قائِمة وهو قاعِد}.
التاسعة:
قوله تعالى: {فَضَحِكَتْ} قال مجاهد وعِكرمة: حاضت، وكانت آيسة؛ تحقيقًا للبشارة؛ وأنشد على ذلك اللغويون:
وإني لآتي العِرسَ عند طُهورها ** وأهجرُها يومًا إذا تَكُ ضاحِكَا

وقال آخر:
وضِحْكُ الأرانبِ فوق الصَّفَا ** كمثلِ دمِ الجوفِ يوم اللِّقا

والعرب تقول: ضحكت الأرنب إذا حاضت؛ وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعِكرمة؛ أخذًا من قولهم: ضحكت الكافورة وهي قشرة الطلعة إذا انشقّت.
وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحِكت بمعنى حاضت.
وقال الجمهور: هو الضحك المعروف، واختلفوا فيه؛ فقيل: هو ضحك التعجّب؛ قال أبو ذؤيب:
فجاءَ بمزجٍ لم يَرَ الناسُ مثله ** هو الضَّحْكُ إلا أنه عمل النَّحْلِ

وقال مقاتل: ضحكت من خوف إبراهيم، ورِعدته من ثلاثة نفر، وإبراهيم في حشمه وخدمه؛ وكان إبراهيم يقوّم وحده بمائة رجل.
قال: وليس الضحك الحيض في اللغة بمستقيم.
وأنكر أبو عبيد والفراء ذلك؛ قال الفراء: لم أسمعه من ثقة؛ وإنما هو كناية.
وروي أن الملائكة مسحت العجل، فقام من موضعه فلحق بأمه، فضحكت سارة عند ذلك فبشّروها بإسحق.
ويقال: كان إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام سارة تخدمهم، فذلك قوله: {وامرأته قَائِمَةٌ} أي قائمة في خدمتهم.
ويقال: {قَائِمَةٌ} لروع إبراهيم {فَضَحِكَتْ} لقولهم: {لاَ تَخَفْ} سرورًا بالأمن.
وقال الفراء: فيه تقديم وتأخير؛ المعنى: فبشرناها بإسحق فضحكت، أي ضحكت سرورًا بالولد، وقد هرِمت؛ والله أعلم أيّ ذلك كان.
قال النحاس فيه أقوال: أحسنها أنهم لما لم يأكلوا أنكرهم وخافهم؛ فلما قالوا لا تخف، وأخبروه أنهم رُسُل (الله)، فرح بذلك، فضحكت امرأته سرورًا بفرحه.
وقيل: إنها كانت قالت له: أحسب أن هؤلاء القوم سينزل بهم عذاب فضم لوطًا إليك، فلما جاءت الرسل بما قالته سرّت به فضحكت؛ قال النحاس: وهذا إن صح إسناده فهو حسن.
والضحك انكشاف الأسنان.
ويجوز أن يكون الضحك إشراق الوجه؛ تقول: رأيت فلانًا ضاحكًا؛ أي مشرقًا.
وأتيت على رَوْضة تضحك؛ أي مشرقة.
وفي الحديث: «إن الله سبحانه يبعث السّحاب فيضحك أحسن الضَّحِك».
جعل انجلاءه عن البرق ضَحِكا؛ وهذا كلام مستعار.
وروي عن رجل من قرّاء مكة يقال له محمد بن زياد الأعرابي.
{فَضَحَكت} بفتح الحاء؛ قال المهدوي: وفتح الحاء من {فضحكت} غير معروف.
وضَحِك يضحَك ضَحْكًا وضِحكًا وضِحِكًا (وضَحِكا) أربع لغات. والضَّحْكة المرّة الواحدة، ومنه قول كُثيّر:
غَلِقت لضَحكتِهِ رقابُ المال

قاله الجوهري.
العاشرة:
روى مسلم عن سهل بن سعد قال: دعا أبو أُسَيْدٍ الساعديّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في عُرْسه، فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العَروس. قال سهل: أتدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أنقعت له تمراتٍ من الليل في تَوْر، فلما أكل سقته إياه.
وأخرجه البخاري وترجم له باب قيام المرأة على الرجال في العُرْس وخدمتهم بالنفس. قال علماؤنا: فيه جواز خدمة العَروس زوجها وأصحابه في عُرْسها. وفيه أنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه، ويستخدمهنّ لهم. ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب. والله أعلم.
الحادية عشرة:
ذكر الطبريّ أن إبراهيم عليه السلام لما قدّم العجل قالوا: لا نأكل طعامًا إلا بثمن؛ فقال لهم: ثمنه أن تذكروا الله في أوّله وتحمدوه في آخره فقال جبريل لأصحابه: بحق اتخذ الله هذا خليلًا.
قال علماؤنا: ولم يأكلوا لأن الملائكة لا تأكل.
وقد كان من الجائز كما يَسَّر الله للملائكة أن يتشكّلوا في صفة الآدمي جسدًا وهيئة أن ييسر لهم أكل الطعام؛ إلا أنه في قول العلماء أرسلهم في صفة الآدمي وتكلّف إبراهيم عليه السلام الضّيافة حتى إذا رأى التوقف وخاف جاءته البشرى فجأة.
الثانية عشرة:
ودلّ هذا على أن التسمية في أوّل الطعام، والحمد في آخره مشروع في الأمم قبلنا؛ وقد جاء في الإسرائيليات أن إبراهيم عليه السلام كان لا يأكل وحده؛ فإذا حضر طعامه أرسل يطلب من يأكل معه، فلقي يومًا رجلًا، فلما جلس معه على الطعام، قال له إبراهيم: سمّ الله، قال الرجل لا أدري ما الله؟ فقال له: فاخرج عن طعامي، فلما خرج نزل إليه جبريل فقال له: يقول الله إنه يرزقه على كفره مدى عمره وأنت بخلت عليه بلقمة؛ فخرج إبراهيم فزعًا يجرّ رداءه، وقال: ارجع، فقال: لا أرجع حتى تخبرني لم تردّني لغير معنى؟ فأخبره بالأمر؛ فقال: هذا رب كريم، آمنت؛ ودخل وسمّى الله وأكل مؤمنًا.
الثالثة عشرة:
قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ} لما ولد لإبراهيم إسماعيل من هاجر تمنّت سارة أن يكون لها ابن، وأَيِست لكبر سنّها، فبشرت بولد يكون نبيًا ويلد نبيًا، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها.
الرابعة عشرة:
قوله تعالى: {وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} قرأ حمزة وعبد الله بن عامر {يعقوبَ} بالنصب.
ورفع الباقون؛ فالرفع على معنى: ويحدث لها من وراء إسحاق يعقوبُ.
ويجوز أن يرتفع بالفعل الذي يعمل في {من} كأن المعنى: وثبت لها من وراء إسحق يعقوبُ.
ويجوز أن يرتفع بالابتداء، ويكون في موضع الحال؛ أي بشّروها بإسحاق مقابلًا له يعقوب.
والنصب على معنى: ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوبُ.
وأجاز الكسائيّ والأخفش وأبو حاتم أن يكون {يعقوب} في موضع جرّ على معنى: وبشرناها من وراء إسحاق بيعقوب.
قال الفراء: ولا يجوز الخفض إلا بإعادة الحرف الخافض؛ قال سيبويه ولو قلت: مررت بزيد أوّل من أمس وأمس عمرٍو كان قبيحًا (خبيثًا)؛ لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه وهو الواو، كما تفرق بين الجار والمجرور؛ لأن الجار لا يفصل بينه وبين المجرور، ولا بينه وبين الواو.
{قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72)} فيه مسألتان:
الأولى:
قوله تعالى: {ياويلتى}
قال الزجاج: أصلها يا ويلتي؛ فأبدل من الياء ألفًا، لأنها أخفّ من الياء والكسرة؛ ولم ترد الدعاء على نفسها بالويل، ولكنها كلمة تخفّ على أفواه النساء إذا طرأ عليهنّ ما يعجبن منه؛ وعجبت من ولادتها (ومن) كون بعلها شيخًا لخروجه عن العادة، وما خرج عن العادة مستغرب ومستنكر.
و: {أَأَلِدُ} استفهام معناه التعجب.
{وَأَنَاْ عَجُوزٌ} أي شيخة. ولقد عَجَزت تَعْجِزُ عَجْزًا وعَجَّزت تعجِيزًا؛ أي طعنت في السنّ. وقد يقال: عجوزة أيضًا. وعجزت المرأة بكسر الجيم؛ عظمت عجيزتها عُجْزًا وعَجَزًا بضم العين وفتحها. قال مجاهد: كانت بنت تسع وتسعين سنة. وقال ابن إسحاق: كانت بنت تسعين (سنة).
وقيل غير هذا.
الثانية:
قوله تعالى: {وهذا بَعْلِي} أي زوجي.
{شَيْخًا} نصب على الحال، والعامل فيه التنبيه أو الإشارة.
{وَهَذَا بَعْلِي} ابتداء وخبر.
وقال الأخفش: وفي قراءة ابن مسعود وأُبيّ: {وهذا بعلي شيخ} قال النحاس: كما تقول هذا زيد قائم؛ فزيد بدل من هذا؛ وقائم خبر الابتداء.